المساجد التاريخيةتقارير

مسجد ابن الفارض..سيرة سلطان العاشقين في قلب القاهرة

كتب : ابراهيم عنب

سيرة سلطان العاشقين في قلب القاهرة القديمة، وبالقرب من سفح جبل المقطم، يتوارى مسجد صغير في حجمه، عظيم في أثره، يحتضن بين جدرانه رفات أحد أشهر أعلام التصوف الإسلامي، الشاعر الكبير “عمر بن الفارض”، الملقب بـ”سلطان العاشقين”،
ورغم بساطة البناء، إلا أن مسجد “ابن الفارض” يقف شاهدًا على قرون من التاريخ، والتصوف، والإبداع الشعري.

من هو ابن الفارض؟

هو “عمر بن علي بن الفارض”، وُلد في القاهرة عام “576 هـ / 1181 م”، جاء لقب ابن (الفارض) نسبة إلى عمل أبيه الذى كان يقوم بكتابة الفروض للنساء على الرجال وهو منصب كبير يعادل القاضى الشرعى ولكن والده بعد ذلك رفض تولى منصب قاضى القضاة ومن هنا ترسخت مفاهيم الزهد عند عمر الذى تعلمها من أبيه فى رفض زخارف الدنيا،
وعُرف بشعره الصوفي الراقي الذي جمع بين المحبة الإلهية، والتأمل الروحي العميق، يُعد أحد أبرز شعراء التصوف في الإسلام، وأشهر أعماله قصيدتا “نظم السلوك” و”التائية الكبرى” التي يقول فيها:

زدني بفرط الحب فيك تحيرًا… وارحم حشى بلظى هواك تسعّرًا

سيرة سلطان العاشقين عاش ابن الفارض حياة زهد وخلوة وتأمل، وانتهت رحلته في القاهرة عام “632 هـ / 1235 م”، حيث دُفن بالقرب من جبل المقطم، ليُقام بعد وفاته مسجد يخلّد سيرته وشعره.

قصة بناء المسجد

سيرة سلطان العاشقين يُرجّح أن أول بناء لضريحه كان في العصر الأيوبي، بعد وفاته بفترة وجيزة، لكن المسجد بشكله الحالي يعود إلى العصر العثماني، وتحديدًا إلى القرن “الثامن عشر”، حين أمر أمير اللواء الشريف السلطان “علي بك قازدغلي” أمير الحج، بإنشاء مسجد بجوار الضريح، واتخذ لنفسه مقبرة بجانبه أيضًا.
قبل ذلك، وتحديدًا في عهد السلطان المملوكي “برقوق”، تم تجديد الضريح ووضع له وقف عام “860” هـ، خُصص جزء منه لإطعام الفقراء، وتم تعيين “برقوق” ناظرًا عليه، ما يدل على اهتمام الدولة بالموقع كمزار ديني وروحي.

الوصف المعماري

رغم أن المسجد لا يتمتع بفخامة العمارة المملوكية أو العثمانية الكبرى، إلا أنه يحمل جمالًا خاصًا في بساطته ، فالتخطيط العام للمسجد مستطيل الشكل، ينقسم إلى قسمين، صحن مفتوح محاط بأروقة، وإيوان القبلة الذي يحتوي على الضريح، يتوسط الضريح غرفة مربعة، تعلوها قبة منخفضة حجرية، بدون رقبة، تقوم على “أربعة” عقود تزيّنها مقرنصات وزخارف نباتية، بينما يحاط القبر بمقصورة خشبية حديدية، تعلوها آيات قرآنية وأبيات من شعر ابن الفارض، وعلى جدران الضريح نُقشت مقاطع من أشهر قصائده، في تناغم بين الفن والخط العربي والشعر الصوفي.

البُعد الروحي والتاريخي

سيرة سلطان العاشقين لا يُعد المسجد مجرد مبنى أثري، بل مزارًا صوفيًا وروحيًا يقصده المريدون وعشاق التصوف، خاصة في ذكرى وفاة “ابن الفارض”، ويعكس المسجد كيف امتزج الشعر بالدين، والروح بالمكان، ليصبح مسجد “ابن الفارض” رمزًا لتاريخ ديني وثقافي طويل في مصر.

خاتمة

في زمن تتسارع فيه خطوات الحداثة، يظل مسجد “ابن الفارض” علامة صامتة تنطق بتاريخ التصوف في مصر، وتجسد صورة شاعر جمع بين حب الإله وجمال الكلمة، ليصبح قبره مسجدًا، ومسجده تراثًا، وتراثه عشقًا خالدًا في وجدان الزمان.

حاول تعرف : وكالة الغوري.. جوهرة معمارية تحكي تاريخ القاهرة الفاطمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى