“مقام في قلب الدلتا.. مسجد سيدي عبد الله بن الحارثة شاهدٌ على الفتح الإسلامي وروح المصريين”

كتب : السيد زقزوق
مقام الدلتا وروح المصريين في قلب قرية صفط تراب التابعة لمحافظة الغربية، يقف مسجد ومقام الصحابي الجليل عبد الله بن الحارثة شامخًا كشاهد حي على مرحلة تاريخية جسدت دخول الإسلام إلى مصر، ومهدت لجذور العلاقة العميقة التي ربطت المصريين الأوائل بالصحابة الذين حملوا راية الدعوة.
مقام الدلتا وروح المصريين عبد الله بن الحارثة هو أحد الصحابة الذين شاركوا في الفتح الإسلامي لمصر بقيادة عمرو بن العاص عام 21 هـ، وكان من أوائل من بثوا تعاليم الإسلام بين أهل البلاد. تميز الصحابي الجليل بحكمته وشجاعته وإيمانه العميق، واستقر في قرية صفط تراب بعد سنوات من الجهاد والدعوة حتى وافته المنية عام 86 هـ، ليُدفن هناك، وتتحول البقعة إلى مزار ومعلَم ديني يتردد عليه الزوار من مختلف أنحاء مصر وخارجها.
ويرجّح المؤرخون أن المسجد أُقيم بعد وفاة الصحابي مباشرة ليكون مركزًا للعبادة ونشر التعاليم الإسلامية، لكنّ تاريخه شهد محطات متعددة من التطوير. ففي عهد حمزة بك خضر، تم توسيع المسجد وضمّ 6 قراريط من الأرض المجاورة له، فيما شهد عام 1914 إضافة مئذنة جديدة أنشأها محمد أحمد نوير، إلى جانب منبر خشبي مميز لا يزال يحتفظ برونقه حتى اليوم.
ورغم بساطة تصميمه، يحمل المسجد طابعًا إسلاميًا مميزًا؛ إذ يضم قبة خضراء تُميز غرفة الضريح، ومئذنة شاهقة بنيت في مطلع القرن العشرين، فضلًا عن قاعة للصلاة مزينة بالنقوش العربية التقليدية، وساحات خارجية تستوعب الأعداد الكبيرة من الزوار.
ويُعد المسجد من أبرز المزارات الدينية في دلتا مصر، إذ يتوافد عليه الزوار من محافظات مختلفة، بل ومن دول شرق آسيا التي يولي بعض مواطنيها اهتمامًا كبيرًا بزيارة مقامات الصحابة، طلبًا للتبرك والاستلهام الروحي.
على مدار العقود الماضية، تخرج من المسجد عدد من الأئمة والعلماء الذين لعبوا دورًا بارزًا في نشر تعاليم الإسلام وتعزيز الروح الدينية في المجتمع، ومن بين الأسماء البارزة حاليًا الشيخ أحمد عبد الحليم، المعروف بجهوده الدعوية وتعريف الزوار بتاريخ المسجد وأهميته.
وخلال السنوات الأخيرة، شهد المسجد أعمال تطوير شاملة شملت تجديد البنية التحتية، وتحسين نظم الإضاءة والصوتيات، بالإضافة إلى تحديث مرافق الوضوء ودورات المياه، وتطوير مصلى السيدات، في إطار الحفاظ على هذا المعلم الديني والتاريخي ليستمر في أداء رسالته الروحية والثقافية.
مقام الدلتا وروح المصريين يظل مسجد ومقام سيدي عبد الله بن الحارثة أكثر من مجرد مكان للعبادة، فهو رابط حي بين الماضي والحاضر، وشاهد على رحلة من الإيمان والجهاد والتاريخ، تتجسد في نفوس الزائرين الذين يحملون إليه حبًا وتقديرًا لمن نشر نور الإسلام في هذه الأرض الطيبة.
حاول تعرف : الإمام الشاطبي.. سيد القرّاء الذي أنار العالم بمتنه الخالد



