الإمام الشاطبي.. سيد القرّاء الذي أنار العالم بمتنه الخالد

كتب : أحمد راضي
في زاوية منسية من الأندلس، وتحديدًا بمدينة “شاطبة”، وُلد عام 538 هـ (1144م) أحد أعلام الأمة الإسلامية وأشهر رجالات علم القراءات، الإمام القاسم بن فِيرُّه الشاطبي، الذي لقّب بـ”سيد القرّاء” و”الإمام الضرير”، وظل اسمه خالدًا في سجل العلماء العاملين الذين وهبوا حياتهم للعلم وتعليمه.
بدأ الإمام الشاطبي طلب العلم في بلده، حيث أتقن القراءات، ثم رحل إلى “بلنسية”، واستمع إلى الحديث، قبل أن يشد الرحال إلى الإسكندرية أثناء أدائه مناسك الحج، وهناك واصل تحصيله العلمي. ورغم أنه وُلد ضريرًا، فإن ذلك لم يقف حاجزًا أمام نبوغه في مختلف العلوم الإسلامية.
مؤلفات خالدة
الشاطبي.. سيد القراء أبدع الشاطبي في نظم العلم، وكان أشهر إنتاجه العلمي قصيدة “حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع”، المعروفة بـ”متن الشاطبية”، والتي تُعد من أعظم ما كُتب في علم القراءات. بلغ عدد أبياتها ألفًا وثلاثة وسبعين بيتًا، نظمها بلغة بديعة، فجاءت سهلة الحفظ، عظيمة النفع.
كما نظم أيضًا قصيدة “عقيلة أتراب القصائد” في علم الرسم، و“ناظمة الزهر” في عدد الآي، وقصيدة دالية في خمسمائة بيت لخّص فيها كتاب “التمهيد” لابن عبد البر.
ثناء العلماء
الشاطبي.. سيد القراء نال الشاطبي إعجاب كبار العلماء، فقال عنه الإمام ابن الجزري: “كان إمامًا كبيرًا، أعجوبة في الذكاء، كثير الفنون، آية من آيات الله في القراءات، حافظًا للحديث، بصيرًا بالعربية، إمامًا في اللغة، رأسًا في الأدب، مع الزهد والعبادة.”
أما الذهبي فوصفه بأنه كان: “يتوقَّد ذكاء، وله الباع الأطول في فنِّ القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث، وكان يصحح كتب الحديث من حفظه.”

وقد تناول عدد من الباحثين المعاصرين سيرة الإمام الشاطبي، مشيرين إلى أثره العميق في علم المقاصد والجوانب الروحية والعلمية في شخصيته. ومن أبرز هذه الدراسات ما قدمه الدكتور الحافظ عبد الله الوافي، أستاذ بكلية أوركدو قاسم مسليار لتحفيظ القرآن في آكود – كيرلا – الهند، الذي يُعد من المهتمين البارزين بسير الأعلام، حيث تناول سيرة الإمام الشاطبي ضمن أبحاثه المستندة إلى مجموعة “سير أعلام النبلاء” للإمام الذهبي. وقد أكد الدكتور الوافي على مكانة الإمام الشاطبي العلمية، مشيرًا إلى أثره البارز في علم المقاصد، كما أورد بعض الكرامات المنقولة عنه، ومنها رؤيته في المنام وهو يُعلّم طلابه بعد وفاته، في دلالة على صدق علمه وإخلاصه. وتُعد هذه الدراسة من المصادر الموثوقة التي تسلط الضوء على توازن شخصية الإمام بين البُعد العلمي والبُعد الروحي.
من الأندلس إلى مصر
في عام 572 هـ، وبعد أن تجاوز الثلاثين من عمره، انتقل الإمام الشاطبي إلى مصر، في ظل حكم صلاح الدين الأيوبي، وكان وصوله متزامنًا مع نهوض الدولة الأيوبية. استقبله القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي اللخمي، وأكرمه، وجعله شيخًا لمدرسته بدرب الملوخية داخل القاهرة، حيث بقي الشاطبي يُقرئ القراءات لطلبة العلم حتى وفاته.
وفاته ومكان دفنه
توفي الإمام الشاطبي يوم 28 من جمادى الآخرة سنة 590 هـ (الموافق 19 يونيو 1194م)، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد في سبيل نشره. وقد دُفن بالقرافة بين مصر والقاهرة، بمقبرة القاضي الفاضل، ولا يزال قبره معروفًا ومزارًا لطالبي العلم.
حاول تعرف :“باب الفتوح: حارس القاهرة الشمالي الذي صمد في وجه الزمن”



